فضائل شهر رمضان
أفرد العديد من المؤلفات تحمل عنوان “فضائل رمضان” مثل فضائل رمضان، لأبي بكر ابن أبي الدنيا، وفضائل رمضان لأبي الليث السمرقندي، وفضائل رمضان وفضائل شهر رمضان لأبي حفص ابن شاهين، وفضائل رمضان لأبي عبد الله محمد عبادة بن بري، وفضائل شهر رمضان لتقي الدين عبد الواحد المقدسي، ونحوها كثيرة جدا، والتي دلت على عظم مكانة شهر رمضان بين أهل الإسلام، وتتجلى هذه المكانة العظيمة من خلال الإشارات الآتية: أولا: أنه الشهر الوحيد المصرح باسمه في القرآن الكريم (شهر رمضان)، كما في الآية الكريمة: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 184] ولم يأت التنصيص على شهر باسمه الصريح من الشهور في القرآن الكريم إلا رمضان، فصار اسمه (رمضان) قرآنا يتلى ويؤجر على قراءته فكان في هذا غاية التنويه بشرفه وفضله. ثانيا: أنه الشهر الذى خص بنزول أفضل الكتب السماوية، أنزل به جبريل أفضل الملائكة على أفضل البشر محمد عليهما الصلاة والسلام، وقال عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 184] ولو لم يكن لشهر رمضان من الفضل غير نزول القرآن العظيم فيه لكفى شرفا ومنزلة، وإذا كان من صفات القرآن: – العظيم: قال الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] – الكريم: قال الله تعالى: {إنه لقرآن كريم} [الواقعة: 77] – المجيد: قال الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد} [البروج: 21] – العزيز: قال تعالى الله تعالى: {وإنه لكتاب عزيز} [فصلت: 41] فإن لشهر رمضان نصيبا وافرا من هذه الأوصاف الشريفة، والقرآن الكريم منزل هداية للناس من الظلمات إلى النور، ولعبادة الله تعالى وحده، وليكون دستور الحياة لمن يريد السعادة في الدنيا والآخرة، وكان شهر رمضان ميقات الذكر لنزوله وملازمة تلاوته، بل قيل إن جميع الكتب السماوية لم تنزل إلا فى شهر رمضان. ثالثا: جعل الله تعالى شهر رمضان أول شهر نصر حاسم في تاريخ أهل الإسلام، وقد وقعت واقعة غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان وكانت واقعة عظيمة وفيصلة واضحة بين الحق والباطل، رفع الله تعالى بها كلمة أهل الإسلام وأعلى مكانتهم، وأذل بها أهل الشرك والكفر وجعل كلمتهم هي السفلى، ومن يومئذ بدأ الإسلام في الظهور والعلو والانتشار بالانتصارات والتمكين بالخيرات شرقا وغرفا، وكان شهر رمضان ميقات ذكر تاريخ بدايات النصر والفتوحات في الإسلام. رابعا: موسم إظهار شعار ركن من أركان الإسلام وقواعده، فصيام شهر رمضان ركن رابع في الإسلام الذي يجب اعتقاد ركنيته في جميع لحظات حياة المسلم، ويتكرر صيامه مرة في كل عام، وقد فرض هذا الصيام لحكم كثيرة نوه الله تعالى بأعظمها فقال سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [البقرة: 183] وخلاصة دلالة الآية، أنه شرع صيام شهر رمضان من أجل تهذيب النفس وتأديبه وتدريبه لوصول إلى تحقيق التقوى، وهذا هو المقصد الحقيقى والوظيفة الرمضانية في نفوس الصائمين. يقول ابن عاشور: “حكم الصيام حكم عظيم من الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمة، وهو من العبادات الرامية إلى تزكية النفس ورياضتها، وفي ذلك صلاح حال الأفراد فردا فردا؛ إذ منها يتكون المجتمع”.[1] خامسا: تخصيص شهر رمضان بليلة يقدر فيها ما يكون من خلال العام، وهي الليلة الوحيدة التي عظم الله تعالى شأنها وسميت بها أحد سور القرآن: سورة القدر، ورفع قدرها، وقال سبحانه: {وما أدراك ما ليلة القدر}[القدر:2]، وجعل ثواب العمل الصالح فيها خيرا من ألف شهر الذى يناهز اثنين وثمانين عاما، وليلتها كلها سلام وأمن وأمان، وتتنزل فيها جبريل والملائكة لكثرة خيراتها وبركاتها حتى مطلع الفجر. سادسا: شهر تتضاعف فيه الحسنات والأجور، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي»[2] وقال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه »[3] وقال الحافظ ابن رجب: “فلما كان الصيام في نفسه مضاعفا أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال كان صيام شهر رمضان مضاعفا على سائر الصيام لشرف زمانه وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها” [4] ولذا كان من هديه عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان الاجتهاد في العبادة والجود ومدارسة القرآن الكريم وتلاوته، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»[5]. وكان صلى الله عليه وسلم « إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر »[6]، وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام « يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره»[7] وهكذا كان هدي سلف الأمة ومن تبعهم بالإحسان. فالشاهد أن شهر رمضان ميقات وموعد لمضاعفة الحسنة والثواب، وحسنة تضاعف أكثر من عشرة أمثالها أو إلى ما شاء الله تعالى. سابعا: أنه الشهر الوحيد الذي تفتح له أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النيران، ويُصفّد فيه الشياطين، وهذه الأمور الثلاثة خالصة لشهر رمضان دون غيره من الشهور كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين » [8] قال عياض: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين… قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره “[9] ثامنا: أنه الشهر الوحيد تكثر فيه مظاهر التضامن والتكافل الاجتماعي، وإن طبيعة شهر رمضان من حيث رقة القلوب وتزكية النفوس وإنابة إلى الله تعالى وترقية إيمانية وكثرة العبادات وهي التي أدت إلى بروز رابطة التكافل الاجتماعي والإنساني في إطار العقيدة الإسلامية بشكل لا يقارن بغيره من بقية الشهور. ويحكي ابن رجب عن بعض السلف أنه سئل:” لم شرع الصيام؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع”[10] وهذا من أسرار شهر رمضان الذي يترجم معانى العلاقات الأخوية الإيمانية بين أفراد المجتمع في الواقع المعاش، وتعزيز صلة التكافل والتعايش بين الأغنياء والفقراء بصورة التجسيد البارزة لا نظير لها في دنيا الناس إلا في هذا الشهر الفضيل، حيث يشعر الأغنياء وأمثالهم بشعور الضعفاء؛ ويقومون بباعث ديني لمواساة إخوانهم الفقراء والمحتاجين بالمال أو بكفالة الإفطار والإطعام أو ببذل أنواع من الإحسان إليهم. تاسعا: الشهر الوحيد الذي من أجله شرعت زكاة الفطر، وقد أوجب الشرع إخراج زكاة الفطر في نهاية شهر رمضان على كل مسلم – ذكرا كان أو أنثى، كبيرا أو صغيرا- ملك فضل قوت يومه ومن يعول؛ تحقيقا لمبدأ ثقافة التكافل الاجتماعى، ولجبر النقص الحاصل أثناء صوم شهر رمضان، ولشكر الله تعالى على ما أنعم من إتمام شهر رمضان الفضيل. يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»[11] وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين »[12] وهكذا يربي دين الإسلام الحنيف أمته على الخصال الحميدة من خلال إخراج زكاة الفطر، وجميع فئات الأمة يتضامنون في رحاب تقوية التضامن الاجتماعي والتعاطف كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. والمقصد من إدارك فضائل شهر رمضان وتوضيح بعض جوانبها، أنه شهر معظم عند الله تعالى فليكن كذلك في نفس كل مؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأن يكون كل مسلم حريصا على استغلال موسم شهر رمضان خير الاستغلال.